تدبر القرآن.. لماذا وكيف؟
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف خلق الله أجمعين، أما بعد:
فالقرآن الكريم كلام الله تعالى، أنزله على رسوله -صلى الله عليه وسلم- ليكون للعالمين نذيرًا، وحوى من العقائد والشرائع والمعارف والعلوم والآداب والأخلاق ما يجلّ الوصف عن ذكره، وتضمّن بين طيّاته الإخبار عن الأوّلين والآخرين، وما كان وما سيكون، ورسم للإنسان منهجًا واضحًا، وطريقًا سليمًا، وصراطًا مستقيمًا يسير عليه، ويهتدي به، ويدعو إليه.1
ولذا اعتنى به صَحْبُ الرسول -صلى الله عليه وسلم- وتابعوهم تلاوة وحفظاً وفهماً وتدبراً وعملاً، وعلى ذلك سار سائر السلف.
ومع ضعف الأمة في عصورها المتأخرة تراجع الاهتمام بالقرآن وانحسر حتى اقتصر الأمر عند غالب المسلمين على حفظه وتجويده وتلاوته فقط بلا تدبر ولا فهم لمعانيه ومراداته، وترتب على ذلك ترك العمل به أو التقصير في ذلك، "وقد أنزل الله القرآن وأمرنا بتدبره، وتكفل لنا بحفظه، فانشغلنا بحفظه وتركنا تدبره".2
وليس المقصود الدعوة لترك حفظه وتلاوته وتجويده؛ ففي ذلك أجر كبير؛ لكن المراد التوازن بين الحفظ والتلاوة والتجويد من جهة وبين الفهم والتدبر.
ومن ثم العمل به من جهة أخرى كما كان عليه سلفنا الصالح -رحمهم الله تعالى-.
ولذا فهذه بعض الإشارات الدالة على أهمية التدبر في ضوء الكتاب والسنة وسيرة السلف الصالح.3
فالتدبر كما قال ابن القيم رحمه الله: "تحديق ناظر القلب إلى معانيه، وجمع الفكر على تدبره وتعقله، وهو المقصود بإنزاله، لا مجرد تلاوته بلا فهم ولا تدبر، قال الله تعالى: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} (29) سورة ص. وقال تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} (24) سورة محمد، وقال تعالى: {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءهُم مَّا لَمْ يَأْتِ آبَاءهُمُ الْأَوَّلِينَ} (68) سورة المؤمنون، وقال تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} (3) سورة الزخرف، وقال الحسن: نزل القرآن ليتدبر ويعمل به فاتخذوا تلاوته عملاً، فليس شيء أنفع للعبد في معاشه ومعاده وأقرب إلى نجاته من تدبر القرآن وإطالة التأمل وجمع منه الفكر على معاني آياته".
لماذا تدبر القرآن الكريم؟:
قال ابن القيم في فوائد التدبر والتفكر: "فإنها تطلع العبد على معالم الخير والشر بحذافيرهما وعلى طرقاتهما وأسبابهما، وغاياتهما، وثمراتهما، ومآل أهلهما، وتتل في يده مفاتيح كنوز السعادة والعلوم النافعة وتثبت قواعد الإيمان في قلبه، وتشيد بنيانه وتوطد أركانه، وتريه صورة الدنيا والآخرة والجنة والنار في قلبه، وتحضره بين الأمم، وتريه أيام الله فيهم، وتبصره مواقع العبر، وتشهده عدل الله وفضله وتعرفه ذاته وأسماءه وصفاته وأفعاله وما يحبه وما يبغضه وصراطه الموصل إليه وما لسالكيه بعد الوصول والقدوم عليه، وقواطع الطريق وآفاتها، وتعرفه النفس وصفاتها، ومفسدات الأعمال ومصححاتها، وتعرفه طريق أهل الجنة وأهل النار، وأعمالهم وأحوالهم وسيماهم، ومراتب أهل السعادة وأهل الشقاوة، وأقسام الخلق واجتماعهم فيما يجتمعون فيه وافتراقهم فيما يفترقون فيه..." ثم قال: "فلا تزال معانيه تنهض العبد إلى ربه بالوعد الجميل، وتحذره وتخوفه بوعيده من العذاب الوبيل، وتهديه في ظلم الآراء والمذاهب إلى سواء السبيل، وتصده عن اقتحام طرق البدع
والأضاليل، وتبصره بحدود الحلال والحرام وتوقفه عليها؛ لئلا يتعداها فيقع في العناء الطويل، وتناديه كلما فترت عزماته : تقدمَ الركبُ، وفاتك الدليل، فاللحاقَ اللحاقَ، والرحيلَ الرحيل...وفي تأمل القرآن وتدبره وتفهمه أضعاف أضعاف ما ذكر من الحكم والفوائد، وبالجملة فهو أعظم الكنوز طلسمه الغوص بالفكر إلى قرار معانيه".4
كيف نتدبر القرآن الكريم؟
لا بد أن تكون هناك خطوات عملية من أجل أن نصل إلى الوصف الذي نستطيع من خلاله فهم كتاب الله تعالى ومعرفة مراد رب العالمين سبحانه وهذه بعض النقاط العملية المساعدة –إن شاء الله تعالى-:
أولا: الاهتمام باللغة العربية: فالقرآن الكريم نزل باللغة العربية {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} (2) سورة يوسف، {وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} (113) سورة طـه.
ولقد كان شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول: "اللغة العربية من الدين"5 فلذلك أول خطوة في طريق تصحيح علاقتنا مع القرآن الكريم هو بعض الاهتمام بهذه اللغة، فمن يريد أن يتعامل مع القرآن الكريم فلا بد أن يتجاوب مع لغته ليفهم كتاب الله.
ثانياً: كثرة التساؤلات في القرآن: قالوا قديماً: "العلم خزائن ومفتاحه السؤال" وأي علم أوسع وأغزر من القرآن الكريم فإضفاء التساؤلات المختلفة على القرآن الكريم يعطينا فهما أوسع للقرآن وامتداداً زمانياً ومكانياً له، فمثلاً:-
لماذا جاءت هذه السورة قبل تلك؟ ولماذا قدم الجملة هذه على تلك؟ وما الحكم التي تختزلها هذه الآية التي أمامي و ما هو السبب الذي به نزلت الآية الكريمة.
إن هذه التساؤلات وغيرها تجعل القرآن الكريم يفتح لنا أسراره الكامنة وتجعلنا نستنطق كثيراً من الآيات لم تستنطق بعد.
ثالثاً: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب: وهذه قاعدة مهمة، حيث أن ما كان سبباً في نزول بعض آيات القرآن الكريم لا يقتصر على الحادثة فقط إنما تقاس عليها كل الحوادث المشابهة، فأسباب النزول هي وسائل إيضاحية وليست وعاءً حصرياً، فما نزل في الوليد بن المغيرة يقاس عليه كل من يتصف بصفاته، وما نزل بأبي لهب يقاس عليه كل من يتصف بالصفات ذاتها.
رابعاً: الاهتمام بالصحيح من تفسير القرآن الكريم: ذلك أن النبي عليه السلام هو الناقل عن الله وهو المبين للقرآن الكريم.
خامساً: عدم أسر أنفسنا بالإسرائيليات التي وردت في التفاسير السابقة؛ لأنها تشكل عقبة في فهم القرآن، وتخرجنا عن مقاصده العامة بالإضافة إلى المخالفات الشرعية الموجودة فيها.
إن إعادة صياغة علاقتنا مع القرآن الكريم هي مسؤولية الجميع وعلى رأسها المؤسسات التعليمية والثقافية وعلى رأس كل ذلك يأتي البيت المسلم.6
فيا ربنا أعنا على تلاوة قرآنك واجعل هذه التلاوة محفوفة بالتدبر والفهم والتطبيق، واجعل القرآن شاهداً لنا لا شاهدا علينا.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.
1 كتاب: الدعوة إلى التمسك بالقرآن الكريم وأثره في حياة المسلمين: د. عبد الرحيم محمد المغذوي(1/11).
2 حول التربية والتعليم، د عبد الكريم بكار، ص (226).
3 مجلة البيان العدد (144)، ص (20)، شعبان 1420هـ، ديسمبر 1999م.
4 مدارج السالكين لابن القيم (1/451-453) بتصرف.
5 اقتضاء الصراط المستقيم لشيخ الإسلام ابن تيمية -مطبعة السنة المحمدية - القاهرة، ط:2، 1369م (1/207).
6 من مقال بعنوان "أهمية التدبر في القرآن العظيم"نقلاً عن موقع صيد الفوائد.
القرآن الكريم وعلامات تدبره
إن مما يصرف كثيرًا من المسلمين عن تدبُّر القرآن والتفكُّر فيه وتذكُّر ما فيه من المعاني العظيمة؛ اعتقادهم صعوبة فهم القرآن .. وهذا خطأ في مفهوم تدبُّر القرآن، وانصراف عن الغاية التي من أجلها أُنزل، فالقرآن كتاب تربية وتعليم، وكتاب هداية وبصائر لكل الناس .. كتاب هدى ورحمة وبشرى للمؤمنين، كتابٌ قد يسَّر الله تعالى فهمه وتدبره .. كما قال تعالى **وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} سورة القمر: آية 17.
وقال الشاطبي "فمن حيث كان القرآن معجزًا أفحم الفصحاء، وأعجز البلغاء أن يأتوا بمثله، فذلك لا يخرجه عن كونه عربيًا جاريًا على أساليب كلام العرب، ميسرًا للفهم فيه عن الله ما أمر به ونهى عنه" [الموافقات (3:805)
فعلى الرغم من إعجاز القرآن الذي أفحم الفصحاء، فإن لغته عربية سهلة ميسرَّة للفهم للجميع.
إن القرآن معظمه واضح، وبيِّن وظاهر لكل الناس ..
يدرك معناه الصغير والكبير، والعالم والأمي .. كما قال ابن عباس : رضي الله عنهما "التفسير على أربعة أوجه: وجه تعرفه العرب من كلامها، وتفسير لا يعذر أحد بجهالته، وتفسير يعلمه العلماء، وتفسير لا يعلمه إلا الله " [تفسير الطبري (1/75)، مقدمة ابن تيمية (115) ومعظم القرآن من القسمين الأولين.
فحينما سمع الأعرابي قول الله تعالى: { فَوَرَبِّ السَّمَاء وَالأرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ} الذاريات:23، قال: من ذا الذي أغضب الجليل حتى أقسم؟ .
فحينما سمع الأعرابي قول الله تعالى: { فَوَرَبِّ السَّمَاء وَالأرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ} الذاريات:23، قال: من ذا الذي أغضب الجليل حتى أقسم؟ .
وحينما أخطأ إمام في قراءة آية سورة النحل :في قوله تعالى { فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ} سورة النحل:26]، وقرأها: "من تحتهم"، صوَّبت له خطأه امرأة عجوز لا تقرأ ولا تكتب، قائلة {مِن فَوْقِهِمْ ...}.
مكائد الشيـطان لصرفك عن تدبُّر القرآن والاهتداء بهديه ..
قال ابن هبيرة "ومن مكايد الشيطان تنفيره عباد الله من تدبر القرآن، لعلمه أن الهدى واقع عند التدبر، فيقول هذه مخاطرة، حتى يقول الإنسان أنا لا أتكلم في القرآن تورعا " [ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب (3-273.
فمن تلبيس إبليس أن يحرمك من تدبُّر القرآن والتفكُّر في معانيه تورعًا، لأن المخاطرة تكون في أن تتكلم في القرآن بغير علم وليس في تدبُّره .. ولقد أمرنا الله تعالى بتدبر القرآن، فقال عزَّ وجلَّ { أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} (سورة محمد: 24(.
فلا تجعله يحول بينك وبين فهم وتدبُّر كلام الله تبارك وتعالى، وإذا أشكل عليك معنى آية بادر وسارع إلى كتب التفسير للبحث عن معناها والمراد بها، وإذا ما صعب عليك ذلك لجأت إلى أهل التخصص في علم التفسير، لكن لا تُغْلِق عقلك فتقرأ دون تدبُّر أو تترك القراءة بالكلية!
ما المقصود بتدبر القرآن؟
تدبر القرآن الكريم:- هو التفكُّر والتـــــأمل في آيـــــــــات القرآن من أجل فهمه، وإدراك معانيــــه، وحكمه، والمراد منه.
تدبر القرآن الكريم:- هو التفكُّر والتـــــأمل في آيـــــــــات القرآن من أجل فهمه، وإدراك معانيــــه، وحكمه، والمراد منه.
وقد يطلق التدبر على العمل بالقرآن؛ لأنه ثمرته وللتلازم القوي بينهما ..
كما في قول علي بن أبي طالب "يا حملة القرآن أو يا حملة العلم؛ اعملوا به فإنما العالم من عمل بما علم"، وقول الحسن بن علي " اقرأ القرآن ما نهاك، فإذا لم ينهك فليست بقراءة".
كما في قول علي بن أبي طالب "يا حملة القرآن أو يا حملة العلم؛ اعملوا به فإنما العالم من عمل بما علم"، وقول الحسن بن علي " اقرأ القرآن ما نهاك، فإذا لم ينهك فليست بقراءة".
علامـــــــات تدبُّر القرآن
وهي سبـع علامـات كما ورد في كتـاب الله عزَّ وجلَّ:
- 1) اجتماع القلب والفكر عند القراءة، ودليله التوقف تعجبًا وتعظيمًا .يقول سبحانه وتعالى {وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا } { سورة الفرقان: 73}
- 2) البكاء من خشية الله .. يقول الحق تبارك وتعالى: { وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آَمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ } { المائدة: 83}
- 3) زيادة الخشوع .. يقول الله عزَّ وجلَّ: { قُلْ آَمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا * وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا} { الإسراء: 107,109}
- 4) زيـــادة الإيمان، .. يقول الحق تبارك وتعالى: { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } } الأنفال: 2}
5) -الاستبشار بزيادة الإيمان.. قال تعالى : {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ } { التوبة: 124}
- 6) القشعريرة خوفا من الله تعالى ثمَّ غلبة الرجاء والسكينة .. يقول تعالى: { اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} {الزمر: 23}
- 7) السجود تعظيمًا لله عزَّ وجلَّ .. يقول الحق جلَّ جلاله: { أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا } { مريم: 58}
فمن وجد واحدة من هذه الصفات أو أكثر فقد وصل إلى حالة التدبر والتفكـــر في مدلولات آيات الخالق تبارك وتعالى.
أما من لم يحصل على أيً من هذه العلامات فهو محروم من تدبر القرآن، ولم يصل بعد إلى شيء من كنوزه وذخائره.
قال إبراهيم التيمي "من أوتي من العلم ما لا يبكيه لخليق ألا يكون أوتي علما لأن الله نعت العلماء فقال: { قُلْ آَمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا * وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا} الإسراء: 107 - 109 " [حلية الأولياء : 5-88
وعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهاقالت "كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا قرئ عليهم القرآن كما نعتهم الله تدمع أعينهم وتقشعر جلودهم" [تفسيرالقرطبي (15:149}
إن كل يوم يمر بك ولا يكون لك نصيب من هذه العلامات، فقد فاتك فيه ربحٌ عظيم، وهو يوم حري أن يُبكى على خسارته.
اللهم اجعلنا ممن يقرؤون القرآن بتدبر وخشوع، ومن العاملين بأوامره التاركين لنواهيه. آمين يا رب العالمين.
وصلي الله على خاتم أنبياء والمرسلين، وعلى آله الأطهار وعلى صحبه الأخيار.